التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بعد أن اختفت بئر زمزم لعدة قرون، جدَّد عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم حفر البئر في قصة عجيبة لطيفة.
قامت قبيلة جرهم التي كانت تحكم الكعبة بردم بئر زمزم، وذلك عقب هزيمتها من قبيلة خزاعة التي تولت حكم الكعبة بعد الانتصار عليها، وبهذا اختفت البئر لعدة قرون، ثم جدَّد عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم حفر البئر في قصة عجيبة لطيفة رواها علي بن أبي طالب بسند صحيح.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَفْرِهَا قَالَ:
قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ[1]، قَالَ: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي فَرَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي، فَنِمْتُ، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ[2]؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ رَجَعْتُ إِلَى مَضْجَعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا زَمْزَمُ، قَالَ: لَا تَنْزِفُ أَبَدًا[3] وَلَا تُذَمُّ[4]، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ[5].
وفي رواية البيهقي: "احفر تُكْتَم": وقال ابن الأثير: "وَفِي حَدِيثِ زَمْزَمَ «إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ رَأَى فِي الْمَنَامِ، قِيل: احْفِرْ تُكْتَمَ بَيْنَ الفَرْث[6] والدَّمِ» تُكْتَم: اسْم بِئْرِ زَمْزَمَ، سُمّيت بِهِ؛ لأنَّها كَانَتْ قَدِ انْدفَنَت بَعْدَ جُرْهُم وَصَارَتْ مَكْتُومة، حَتَّى أَظْهَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ"[7].
وفي تفصيل تحديد المكان من رواية الزهري: فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ خِبْأَةَ الشَّيْخِ الْأَعْظَمِ[8]، فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي، فَأُتِيَ فِي الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى، فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ عِنْدَ نَقْرَةِ الْغُرَابِ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ مُسْتَقْبِلَةً الْأَنْصَابَ الْحُمْرَ فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَمَشَى حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ آيَاتٍ، فَنُحِرَتْ بَقَرَةٌ بِالْحَزْوَرَةِ، فَانْفَلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ[9] نَفْسِهَا حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ الْبَقَرَةُ مَكَانَهَا حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ، فَبَحَثَ عَنْ قَرْيَةِ النَّمْلِ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَحَفَرَ هُنَالِكَ[10].
وفي رواية تفصيل للغراب: الغراب الأعصم، وهو الغراب الذي في ساقيه بياض، وهو ضرب من الغربان، وذلك في رواية عليٍّ رضي الله عنه: قَالَ: فَلَمَّا أَبَانَ لَهُ شَأْنَهَا وَدَلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنْ قَدْ صَدَقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَحَفَرَ،
وهناك تفصيل من رواية الزهري لصراع أهل مكة مع عبد المطلب على البئر، ونذره بذبح ولد له إن رُزِق بعشرة!
فذكر أنَّه طَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يَوْمَئِذٍ غَيْرَهُ فَسَفِهَ عَلَيْهِمَا يَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَنَازَعُوهُمَا وَقَاتَلُوهُمَا[11]، وَتَنَاهَى عَنْهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ وَصِدْقِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى نَذَرَ إِنْ وُفِّيَ لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يَنْحَرَ أَحَدَهُمْ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ حِينَ دُفِنَتْ.
وفي رواية أنه وجد غزالين من ذهب فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَجْزِنَا مِمَّا وَجَدْتَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: هَذِهِ السُّيُوفُ لَبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَفَرَ حَتَّى أُنْبِطَ الْمَاءُ فِي الْقَرَارِ.
وهناك رواية لعلي رضي الله عنه تقول: فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيُّ[12] كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنَّهَا بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشِرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ قَالُوا: فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُحَاكِمَكَ فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا: كَاهِنَةَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ[13]، قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ قَالَ: وَالْأَرْضُ إِذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ[14] فَخَرَجُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ فَظَمِئُوا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَاسْتَسْقَوْا مِمَّنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّا فِي مَفَازَةٍ نَخْشَى فِيهَا عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَمَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إِلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَأْمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمُ الْآنَ مِنَ الْقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ، ثُمَّ وَارَاهُ حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: سَمِعْنَا مَا أَرَدْتَ، فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَحْفِرُ حُفْرَتَهُ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاللَّهِ، إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا لَعَجْزٌ لَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا حِيلَةً فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا حَتَّى إِذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، وَمَا هُمْ فَاعِلُونَ، تَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا حَتَّى مَلَئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا الْقَبَائِلَ الَّتِي مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاشْرَبُوا وَاسْتَقُوا، فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا فَقَالَتِ الْقَبَائِلُ الَّتِي نَازَعَتْهُ: قَدْ وَاللَّهِ قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَاللَّهِ لَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ، هُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ فَارْجِعْ إِلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ وَلَمْ يَمْضُوا إِلَى الْكَاهِنَةِ، وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمْزَمَ"[15].[16].
[1] مشتقة من الطِّيْبِ، ومنها طيبة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
[2] مشتقة من البرِّ أي الخير والطهارة
[3] لا تنزف أبدًا: لا يتمُّ ماؤها، ولا يُلْحَق قعرها.
[4] لا تُذَمُّ: لا توجد قليلة الماء.
[5] الأزرقي: أخبار مكة، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، دار الأندلس للنشر، بيروت، 2/ 45.
[6] الفرث هو الروث ما دام داخل الكرش.
[7] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ= 1979م، 4/ 151.
[8] وفي الأزرقي: أخبار مكة، 2/ 46، وَهِيَ تُرَاثُ أَبِيكَ الْأَعْظَمِ، والمقصود إسماعيل عليه السلام والله أعلم.
[9] الحشاشة هي بقية النفس.
[10] الأزرقي: أخبار مكة، 1/ 548، وقال دهيش: حسن لغيره.
[11] سبب النزاع كما في رواية أخبار مكة للأزرقي (2/ 46): وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إِسَافٍ وَنَائِلَةَ: فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ لِيَحْفُرَ حَيْثُ أُمِرَ فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جَدَّهُ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا نَدَعُكَ تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا.
[12] الطي: الحواف الحجرية للبئر
[13] سعد بن هذيم فرع من فروع قضاعة في شمال الجزيرة العربية.
[14] المفاوز جمع مفازة، وهي الصحراء المهلكة
[15] «أخبار مكة للأزرقي» (1/ 551-553)، وقال دهيش: إسناده حسن. وقال الصوياني: خبر صحيح الإسناد إلى علي بن أبي طالب. السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (1/ 12).
[16] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: سر اكتشاف عبد المطلب لبئر زمزم
التعليقات
إرسال تعليقك